الاثنين، 23 يناير 2012

"أدبني ربي فأحسن تأديبي": مانيفستو الأدب الثوري الجديد



بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، هو المولى، وهو خير نصير، هو القائل:نهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"، وهو سبحانه من قال أيضاً: "نحن نقص عليك أحسن القصص
أما بعد،
      في هذه الأيام المجيدة، تعبر مصر، بثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ / ٢١ صفر ١٤٣٢، من بوابة المجد المخضبة بدماء الشهداء، نحو طريق الخلاص، والعهد الجديد، ونقاء الإيمان. في هذه اللحظات تكتشف مصر النواة الصلبة لهويتها الإسلامية وجوهر إيمانها. وبأصوات الجماهير الحرة التي ارتفعت بها الحناجر، وسالت في سبيلها الدماء، وأكدت عليها الصناديق، تعود مصر إلى أصل هويتها، تعود إلى صراط الله المستقيم، وأنعم بها من عودة.
      ولقد أمعنا النظر، فوجدنا أن مصر قد جربت، في الأدب، مثلما في السياسة، القومية، والليبرالية، والشيوعية، فمنذ صحوة مجتمعنا الأولى بعد صدمة الاحتلال البريطاني الغاشم هب المصريون ونخبهم العلمانية يبحثون عما يرد عنهم ضعفهم وذلهم وهوانهم على الناس. غير أنهم ضلوا الطريق، "وأضل فرعون قومه وما هدى"، فخرجت النخبة بما أسموه الأدب القومي والواقعية، فجاء نجيب محفوظ بما جاء به وقال ما قال، فأصاب بعضاً من الخير وأخطأ كثيراً، ثم كان أن غمرتنا الموجة الثانية في الأربعينيات وما بعدها، فقال البعض هي الواقعية الاشتراكية مذهبنا، فأحسن بعضهم، بمعيار مذهبهم، وكان رئيس دولتهم الدكتور الطبيب يوسف إدريس، ونحسب بعض ما كتب من الخير من دون أن نزكي على الله أحداً.
ثم أنه سبحانه وتعالى قدّر فاختبر هذه الأمة بنكسة عظيمة وهزيمة ناصرية، فكانت الرجفة الكبرى، ومعها كتاب الستينيات، وأدب الأزمة التي لم نخرج منها سوى بثورة ٢١ صفر العظيمة. ثم جاءت التسعينيات بما جاءت به. فقالوا الجسد، واليومي، والقضايا الصغرى، صغرت كلمة تخرج مِن  كتاباتهم.

       وهكذا أيها الإخوة، والأخوات، بينما جرب أدبنا الواقعية التي أسموها بورجوازية، والواقعية الاشتراكية، والحداثة، وما بعد الحداثة، والسوريالية، وغير ذلك من مذاهب أوروبا، كان الإسلام، في عالم الأدب، غريباً كما أتى غريباً. وقد عشنا زمناً إذا قال قائل: أين الإسلام من أدبكم أيها المتأدبين؟ أو سأل سائل: ما بال شخصياتكم لا تؤدي فرضاً، ولا تقيم نسكاً، ولا تحض على خير، سخر منهم الساخرون، وهزأ الهازئون، 
وقالوا: إنما الأدب من صنائع أيدينا، فهو، أي الأدب، شأن علماني، وأمر من أمور حياتنا الدنيا. ولسان حالهم يصرخ: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون.

      ومع أن ذلك قد ساءنا أيمّا إساءة، وآذانا كل الأذى، نود أن نؤكد أننا لا نلغي أحداً، ولا نتهم أحداً، وحسبنا أن نقول: فلان أخطأ، وفلان أصاب، وفلانة جانبها الحق، وفلانة جاءت به. وهذا رأي نعرضه على الأمة فلها أن تقبله ولها أن ترفضه، فلسنا بكهنةٍ، ولا كهنوت، ولا نملك سوى أن نقول كما قال الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
      ولأننا لسنا من القائلين: "اذهب أنت وربك فقاتل إن ها هنا قاعدون"، ولأننا نؤمن بحق الشهداء علينا، وبأن الفن هو مرآة المجتمع، وأن الأدب هو ديوان العرب والشعوب جمعاء، ومصداقاً لقول القائل: حديثهم شعراً، وقولهم نثراً، وصلواتهم خمساً، نتقدم، في هذه اللحظة المصيرية من مسار ثورتنا، وبعد انتخاباتنا المباركة، كي ننصح الأمة، ونحمل الأمانة، "إن عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبوا أن يحملنها، وحملها الإنسان".
      إن مصر العهد الجديد، المعطر بدماء الشهداء الذكية، والمزين بتضحيات شباب هذه الأمة، تنادينا. مصر تطالبنا بأدب جديد، أدب يرسّخ الهوية ويرعاها، يبني الإنسان ويعلمه، يربي الإنسانة ويصونها، يهذب الوجدان وينقيه من الشوائب. أدب ثوري لا يعرف الانهزام أو الانكسار، لا يقبل أنصاف الحلول، لا يساوم على أصالة هويتنا الإسلامية، لا يتمسح في الوافد إلينا من أفكار أعدائنا وأعداء ديننا.
تريده مصر أدباً أصيلاً، يعالج الخيال والشهوات وأمانيّ النفس، ووساوس شياطين الجن والإنس، وشذرات الفكر المنفلتة. تريد مصر المسلمة أن يتحول كل هذا الغثاء إلى بنيان ينير طريق الأمة نحو الخلاص، نحو سماء المجد، نحو المجتمع المسلم الفاضل.
      لقد آن لكِ يا مصر أن تعودي إلى طريق الحق، بين شقيقاتكِ العربيات وأخواتكِ المسلمات، رائدة في كل المجالات، كما كنتِ قبل أن تُضلكِ نخبةٌ علمانية لا تعرف لله حقاً، ولا ترعى للإسلام شريعة. آن لكِ، يا بلد الأزهر، أن يتحقق لكِ الوعد الحق، أن تعودي كما قدر لكِ الرحمن أن تكوني، فهو القائل: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".
      ولتوضيح مقاصدنا نقول مع شهيدنا، وشهيد أمتنا، ورائد نضالنا ضد الطاغوت، الشيخ، المفكر، الشاعر، الناقد، سيد قطب، أن للحق طريقاً له معالم يسترشد بها التائهون، ويهتدي بقبس نورها الباحثون عن رضاء الخالق دون مخلوقاته، ونحدد معالم طريق أدبنا الإسلامي الثوري فيما يلي:

      أولاً: أدبنا مدني ذو مرجعية إسلامية.
      ليس في أدبنا الثوري الإسلامي كهنوت، ولا كنيس، ولا وزارة شيوعية تُملي على الناس رأياً أو مذهباً أو صيغة فنية. هو الاقتناع الكامل والخير الأعم ما نبغي. وعلى هذا، فأفكارنا ومنهجنا ورؤانا تتحدث بالنيابة عنا، ذلك أن أدبنا مدني، نابع من المدنية الحديثة، ومؤسَس على قواعد عمرانها، وعلى سبيل المثال، أدبنا كاتب مسلم، وزوجة كاتب مسلمة، وقارئ مسلم، وناقد مسلم. ولا فضل لكاتب على ناقد، ولا لناقد على كاتب سوى بالحكمة والموعظة الحسنة. أدبنا المنشود، إذن، يشتبك مع الواقع والحياة وما يعترض طريق المسلمين وزوجاتهم المسلمات من مشاكل وصعوبات هي من صميم الحياة الحديثة حيث الاجتهاد والابتكار واجب ديني.
      أما فيما يخص حياة إخواننا وبني أوطاننا وشركائنا في هذا المجتمع من غير المسلمين فلهم أن يؤلفوا ويقرؤوا أدبهم الخاص الملتزم بشرائعهم والمراعي لسننهم والمؤيد لاعتقاداتهم بحرية كاملة غير منقوصة نصونها ونحميها، وذلك مع الالتزام بقواعد الأدب الإسلامي في إطاره العام، لا الخاص، ومع التأكيد على عدم جواز أن يتقلد ولاية النقد أحدٌ غير المسلم، المتزوج، السني، صحيح الإسلام. ويعلم إخواننا وشركاؤنا وأبناء وطننا الكتّاب من غير المسلمين، نعني النصارى وغيرهم، أن ذلك هو خير ضامن لأدبهم ولحريتهم الكاملة، غير المقيدة.

      ‫ثانياً: خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام.
      من نافلة القول أننا، وإن كان لنا من المآخذ ما قل أو كثر على كتابنا الموقرين من عصر ما قبل الثورة، لا ننتوي على منع أو حظر أيٍ مما سبق نهضتنا من روايات وقصص ومذكرات وخلافه.
أما في فترة انتقالنا نحو غايتنا المنشودة، التي نرجوها سلسة سريعة، لا تتعدى الستة أشهر، سوف ننصح، والدين النصيحة، أبناء أمتنا الحبيبة بالامتناع، من تلقاء أنفسهم، عن قراءة أي عمل مما كُتب ونُشر في زمن جاهليتنا الأدبية، وذلك لضمان عدم حدوث أي طارئ أدبي، يعطل ذلك الانتقال. وفي تلك الفترة الانتقالية، التي نؤكد أنها لن تتعدى التسعة أشهر، سيقوم نقادنا، بمساعدة زوجاتهم، بكتابة شروح مفصلة وتعليقات مطولة على ما يرونه من مآخذ وتوجهات قبل ثورية أو غير إسلامية في هذه الأعمال.
      وهكذا اتساقاً مع إيماننا الراسخ بأن "لكم دينكم ولي ديني سيكون لمن أراد مِن مغامري هذه الأمة قراءة رواية من قبيل "أولاد حارتنا"، مع الاطلاع علي نصها الكامل، مصحوباً بشروحها، ورأي الشرع فيها، وبيان مقاصدها، ونقد انحرافاتها. وبهذا يعم الخير، فمن ناحية تطلع الأمة على روائع كاتبنا الحائز على نوبل، وتستفيد من جماليات الرواية التقليدية على النمط المحفوظي. ومن ناحية أخرى: يكون ذلك مع توفر حصانة شرعية ونقدية ضد ما شاب هذه الجماليات من زيغ وانحراف عن مقاصد الشريعة والمرجعية الإسلامية لأدبنا الثوري. والله خير حافظاً.

      ثالثاً: غياب الكاتب.
      أدبنا الإسلامي الثوري الحق ليس مجالاً لاستعراض موهبة، أو نيل جائزة، أو ابتغاء مرضاة الناس، أو مدحهم، فأكثرهم تحكمهم أهواءهم، وشهوات أنفسهم، يريدون أن يطفئوا نور الله. أدبنا أدب رباني، لا طاعة فيه سوى للحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. هو أدب الثائرين السائرين على طريق الحق لا يبغون سوى مرضاة الله، ولا يشتهون سوى أن يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله. وعلى هذا، يغيب عن أدبنا اسم الكاتب، وتوقيعه. ووصفهم على كل كتاب، وقصة، وأقصوصة، ورواية، ونوفيلا، وكل مقال، نقدي أو إبداعي، وكل جرافيك نوفل: كاتب مسلم. وهذا غير ما قال به بعض النقاد من الفرنسيين فأسماه: "موت الكاتب فالموت بيد الله عز وجل، أما الغياب ففعل إنساني، وسبحانه هو المحيي المميت.
     
‫رابعاً: دور المرأة.
      المرأة هي نصف المجتمع، وزينته. كم من رجل ناضل في طريق الحق، وقاتل الطغيان، وقاسى آلامه، فكانت زوجته هي البلسم الذي أعانه على احتمال الضيم، والتغلب على الظلم والطاغوت!
       وأدبنا كنضالنا، فهذا الأدب الإسلامي الثوري لا يمكن أن يظهر إلى الوجود وينير طريق الحق لهذا المجتمع بدون المرأة المسلمة التي تساعد زوجها الكاتب على الإبداع. هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى، فنساءنا في أدبنا، كما في مجتمعنا الطاهر الذي تحكمه العدالة، وتسوده الحرية، ويضيئه النور، ويحميه مجلس شريف، هم نساء طاهرات، عفيفات، معطرات بمسك الإيمان، مؤديات لصلواتهن، صائمات، قارئات جيدات لأدب بعولهن، فهن نسوة تقول قلوبهن: هذا أدبي، وهذا الكاتب زوجي، وعلى هذا النهج سأربّي أولادي، مسلمين، طائعين، مؤدبين بأدبنا الثوري.
      وقد لا نضيف جديداً إن قلنا أن الأدب بطبعه، وجنسه ذكوري، ونظرة سريعة إلى التاريخ منذ شاعر الإغريق هوميروس وحتى الشعراء العرب تؤكد ذلك. فحولة الأدب، إذن، أمر من أمور الفطرة، وشأن من شئون الطبع الإنساني، التي لا جدال فيها. الأدب مهنة الرجال  لما يتطلبه من إعمال للعقل، وجهد للذهن، وإجهاد القريحة، علاوة على اعتبار الكتابة والأدب، شعره ونثره، من شئون الولاية العظمى، وقيادة الأمة التي لا يقوى عليها سوى الفحول من الرجال. وإن كان هذا لا يمنع المرأة المسلمة مِن مزاولة الأدب على أن يكون ذلك تحت ظل ولي أمرها، أباً، أو أخاً، أو زوجاً، أو عماً، أو خالاً.


      وبعد أيها القارئ الكريم، كانت هذه بعض من أفكارنا، نعرضها عليك، علها تنير لنا طريقاً نحو أدب جديد، وتضع عن أمتنا معضلات واجهتها لقرن أو يزيد، فقد شغلت قضية الأدب، ومقاصده، والهدف منه أجيالاً وأجيال. ومن سوء الطالع أن سار أكثر شباب هذه الأمة، ومتأدبيها خلف تلك التيارات التابعة والمقلدة للغرب، بينما حكم الإسلام في ذلك، وفي غيره، بينٌ لا يحتمل أي جدل أو اختلاف، إذ يقول الله عز وجل: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، فالأدب مجال عبادة لا لهو، تعبد لا تسلية فارغة. الأدب، قارئنا الكريم، مكمل لمقاصد الشريعة من عبادة الله، وتعمير الأرض التي ائتمننا عليها خالقنا جميعاً.
      وختاماً، نقول أن على أدبنا أن يكون مسخراً لمثل هذه القضايا، وعلى الكاتب أن يهب روحه، وثمرة جهده، لمثل هذه الأهداف الربانية. هذا، قارئنا الكريم، هو المخرج الوحيد من تلك المتاهة الشيطانية حول الكتابة، والأدب، ومقاصده. وبمثل هذا العمل والتضحية يجد الكاتب ذاته لبنة من لبنات  المجتمع الإسلامي الجديد المولود من رحم ثورة صفر المباركة، مقدماً نفسه، وقادحاً ذهنه في خدمة دين الإسلام، ولرفعة رايته.
          هكذا نحن، وهذا طريقنا، وتلك معالمه، وهذه الكلمات عهد نقطعه على أنفسنا، وميثاق نسير على هداه، ولله القصد من وراء ذلك، هو الخالق، وإليه المآل.